أرافق الحزن إلى الاستراحة في أريحا | شعر

 

صدفة

كأنّكِ أنتِ مرّةً أخرى

لا نبوءةَ أبدًا

كلّ ما في الأمر أنّها صدفةٌ بنت كلب

تلك الّتي تلعب بالوقت

 

 

تيه

كان ينبغي للتيه أن يأخذنا إلى غايتنا الواضحة

الدليل الّذي لم نستدعه أصلًا ألقى بنا، دفعةً واحدةً، في خطاه

سِرْنا في طريقه

وأضعنا دربنا خلفنا

 

 

لهاث

هاتان ساقان لا تتعبان

وهذا القلب لا يكلّ

تلك طرقٌ محفوفةٌ بالشظايا ومسكونةٌ بالذكريات

والمعاني الصغيرة تركض حافيةً

وتلهث، بأقدامها عبثًا، خلف صورتها الكاملة

 

 

تشيلو

المرأة اليقظة على ظهر الحصان 

تثني قوس الأفق

وتمرّ على الريح

تبوح آلة التشيلو بكلّ ما خبّأتْ للنغمة الأخيرة حاسّتها السابعة

إنّني أستيقظ الآن

 

 

أحلام

تسيل الأحلام أحيانًا على حوافّ السرير

وتسقط على الأرض قطرةً قطرةً

وعند الصباح تسحبها مكنسةٌ ناعمةٌ إلى مصائرَ لم تَكُنْ تحلم بها

 

 

أوّل غردينيا

بساقين مِنْ وجع الصنوبر

كانتْ تحرث المخيّلة

أثلامها تدقّ ساعة الغياب كرأس أفعًى مطمئّنةٍ

كلّما انغرستْ قدماها، كسكّتين حادّتين مسنونتين بماء الوقت، يدور عقربٌ، في الهواء، دائرةً واحدةً في مجرى السمّ

حينها يستيقظ ميّتٌ وحيدٌ في المقبرة المزدهية بوحدة اللوتس

وتموت أوّل غاردينيا

كانت في طريقها إلى السماء

 

 

كرة قدم

بجرأةٍ مبتورةٍ

وعلى حوافّ قبلةٍ ممزّقةٍ

وبخجلٍ فائضٍ عن الحاجة
وبتهذيبٍ لا ضرورةَ له

وبلياقةٍ لا يُعْتَدُّ بها

نلتقي في مقهًى مكتظٍّ برجالٍ هاربين مِنْ ندمهم ويعلّقون سخطهم المنزليّ بأقدام ميسي ورونالدو

هناك ننسل الذاكرة ككرةٍ قماشيّةٍ خيطًا خيطًا

وننسج بها سجّادةً للسهو

ومعطفين للنسيان

وشبكةً ثلاثيّة الأركان للمرمى

 

 

انتظار

لعلّي سأسحب الحزن مِنْ ياقته ذات ظهيرةٍ

أنفض الورد عن قميصه الليلكيّ

أرتّبه

وأمسح عنه الغبار

أمشّط ندبه

وأطوي له أحلامه

وأتركه ينتعل حذاءً لامعًا

ونظّارةً شمسيّةً

وأدخل معه في جدلٍ طويلٍ صامتٍ

ألقّنه درسًا في الكفاءة

وأمرّنه على قليلٍ من الأنانيّة

أعلّمه كيف ينبغي له أن يتصرّف في الغربة

أمنحه تذاكر سفرٍ ذهابًا وإيابًا وبلا تواريخ

أرافقه إلى الاستراحة في أريحا كي يعبر الجسر

أُلْقي به وحيدًا في المقعد الأخير في الباص

أحدّق في ظهره إلى أن يغيب تمامًا

وبلا توقّعاتٍ ناضجةٍ

وبلا صورٍ مشوّشةٍ

سأنتظره هنا - على مقعدٍ باردٍ في هذه القاعة الموحشة المكيّفة في صيف المدينة الجافّ بحذاءٍ رياضيٍّ مضيءٍ ودونما لهفةٍ - إلى أن يعود.

 

 

أمنيات

الرغبة مطفأةٌ

والقناديل تتأرجح في الريح.

 

كأنّما الوقت يتدلّى بحبلٍ معلّقٍ بسقف السماء

لا نارَ في الطين

ولا أنفاسَ في الهواء

والحجارة باردةٌ تمامًا.

 

أمّا الأمنيات فمحشورةٌ في مصابيحَ يلعب بها الضوء

يخطفها الزمن وتفتّتها المسافات!

 

 

دم
الدم لم يَكُنْ صدفةً هنا، ولم يَكُنْ على موعدٍ مع غيمةٍ جرّحها الهواء

التراب يتململ الآن!

لم يفتحْ حانوته هذا الصباح بائع الحنّاء، وما زال يتلكّأ في فراشه؛

باردٌ هذا الصباح.

الجسد الّذي تتطوّحه الريح ساخنٌ تمامًا

والجنازة ليست جاهزةً تمامًا؛ الأكفّ قفّعها البرد، والطريق فارغةٌ مِنَ النحيب؛

وهناكَ مَنْ تنتظر أن يغسل الدم المطر!

 


 

وسيم الكردي

 

 

شاعر وباحث في مجال التعبير اللغويّ وتوظيف الفنون في التعلّم والتعليم؛ متخصّص في الدراما في التربية والبحوث التطبيقيّة؛ يعمل في مجال التدريس والتدريب. نشر خمس مجموعات شعريّة، وله كتب وأبحاث في الدراسات الثقافيّة، والتعبير، وتوظيف الدراما في سياق تربويّ. كتب أغاني الأعمال الفنّيّة: وشم، مشعل، مرج ابن عامر، حزّريّة، اِجْبينِة، أشيرة.